واتّخذت ألمانيا من كامبو باهيا، المنتجع المنعزل الواقع في جزيرة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق العبارة، مقرّ معسكرها في مونديال البرازيل 2014 الذي تم تصميمه خصيصاً لاستضافة منتخب توج في النهاية باللقب العالمي على حساب ليونيل ميسي ورفاقه في الأرجنتين 1 – 0 بعد التمديد.
وتعتقد ألمانيا أن هذا المنتجع المعزول لعب دورا رئيسيا في بناء علاقة وطيدة بين اللاعبين شكلت الأسس التي أدت إلى التتويج العالمي في بطولة حقّقت خلالها ضربة تاريخية بعدما اكتسحت البلد المضيف 7 - 1 في نصف النهائي.
والآن على أرض الوطن ومع استحالة الوصول إلى العزلة التي تؤمنها الأدغال البرازيلية، اختار الاتحاد الألماني لكرة القدم بلدة هيرتسوجيناوراخ المرتبطة بعمق تاريخي مع الرياضة وكرة القدم في ألمانيا.
ولعب أوليفر بيرهوف، مدير المنتخب السابق الفائز كلاعب بكأس أوروبا 1996 والذي استقال بعد الخروج المبكر لألمانيا من الدور الأول لمونديال قطر 2022، دوراً رئيسياً في تطوير مقر معسكر الـ”دي مانشافت” الذي يقع في نفس مقر شركة المستلزمات الرياضية الألمانية العملاقة أديداس.
وقال بيرهوف إن المقر مصمم “لإيقاظ الروح، التصميم، وإرادة الفوز” تماماً كما فعل كامبو باهيا قبل عقد من الزمن. وتركت هيرتسوجيناوراخ، المدينة الخلابة التي تتميز بمنازل القش والساحات الهادئة ويسكنها ما يزيد قليلاً عن 20 ألف نسمة، أثراً كبيراً على الرياضة العالمية.
وأسس الشقيقان أدولف ورودولف داسلر شركة “داسلر براذرز شو كومباني” للأحذية عام 1919، لكنهما اختلفا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة وقررا الانفصال عن بعضهما البعض. وفي عام 1948 أطلق الأخ الأصغر أدولف، الملقب بـ”آدي”، اسم شركته أديداس بينما أسس رودولف شركة بوما المتخصصة أيضاً في المستلزمات الرياضية.
وتوفي الأخوان داسلر في السبعينات من دون دفن الخلاف الذي توسع ليطال البلدة بأكملها. وأطلق على هيرتسوجيناوراخ لقب "بلدة الأعناق المنحنية"، حيث يُعرف عن السكان أنهم ينظرون إلى أحذية الغرباء لمعرفة العلامة التجارية التي يرتدونها قبل إلقاء التحية عليهم.
وبعدما كانت خارج دائرة المنتخبات المرشحة لإحراز اللقب فازت ألمانيا بنهائي كأس العالم 1954 على المجر 3 – 2 على أرض رطبة، وذلك بفضل أحذية أديداس القابلة للتعديل. ومباشرة خارج مقر أديداس تم إحياء ذكرى "آدي" بتمثال برونزي له وهو يُصلِح أحذية كرة القدم.
وظلت علاقة أديداس مع المنتخب الألماني ثابتة حتى هذا العام، عندما أعلن الاتحاد الألماني لكرة القدم أنه وقع صفقة مع الشركة الأميركية المنافسة "نايكي" التي سترعى "دي مانشافت" اعتبارا من 2027. وأثار قرار التخلي عن الشريك التاريخي لصالح "نايكي" سخطا في البلاد، حتى أن وزير الاقتصاد الألماني استنكر الافتقار إلى الحس الوطني.
وردّ الوزير ونائب المستشار روبرت هابيك قائلا "لا أستطيع أن أتخيل القميص الألماني دون الخطوط الثلاثة" لعلامة أديداس. وأضاف "أديداس والأسود والأحمر والأصفر، ألوان العلم الألماني، كانت دائما لا يمكن فصلها بالنسبة إلي، باعتبارها جزءاً من الهوية الألمانية".
وتابع منتقدا الخطوة "كنت سأقدر المزيد من الحس الوطني". وأعرب وزير الصحة الاشتراكي الديمقراطي كارل لاوترباخ عن خيبة أمله، وقال عبر حسابه على موقع إكس إن اختيار شركة أميركية لتجهيز "دي مانشافت" هو "خطأ"، معربا عن أسفه لأن "التجارة تدمر جزءا من الوطن والتقاليد".
وردا على قرار اتحاد اللعبة ارتأت أديداس أن تظهر له ما سيفتقده بخسارة هذه الشراكة. وقال مديرها التنفيذي بيورن غولدن الذي خطفت أديداس خدماته من بوما عام 2023 بعد الإعلان إنه "بغض النظر عما سيحدث في عام 2027، فنحن ندعم الفريق 100 في المئة. نحن مشجعون وأنتم عائلتنا".
وبعدما أثار الاستغراب في بداية الأمر نفد القميص الجديد باللونين الوردي والبنفسجي من المتاجر في مختلف أنحاء البلاد وأصبح الآن رسميا القميص الأكثر مبيعا على الإطلاق بين القمصان المخصصة للعب خارج الديار.
وعلى الرغم من الانفصال بين الطرفين قامت أديداس بتحديث مرافق التدريب ومقر إقامة المنتخب الذي يشمل مكتباً للمدربين وغرف اجتماعات وغرفة طعام ومرافق لتمارين اللياقة البدنية وإعادة تأهيل اللاعبين، إضافة إلى منطقة مشتركة توجد فيها ألعاب فيديو.
وتحت حراسة مشددة وسط الأشجار العالية لحجب الرؤية عن عدسات الكاميرات والطائرات المسيرة، يعيش اللاعبون في أكواخ مكونة من ثلاث أو أربع غرف نوم تحيط بحوض سباحة. وكشف مدافع بايرن ميونيخ يوزوا كيميش أن مقر الإقامة مقسم "حسب المراكز"، مضيفا "أنا في الوحدة مع الأظهرة الآخرين".
وحقق الفريق أقصى استفادة من وقته في المعسكر بحسب مقاطع الفيديو التي تظهر اللاعبين وهم يستمتعون بألعاب الفيديو ويشاهدون مباريات المنتخبات الأخرى ويجيبون على أسئلة حول زملائهم في الفريق. وقال الحارس المخضرم مانويل نوير، الباقي من المنتخب الفائز بمونديال 2014 بجانب توني كروس وتوماس مولر، إن الفريق "سعيد بالعودة إلى أديداس مرة أخرى (في إشارة إلى المقر)"، مضيفا "اللاعبون الذين مكثوا هنا لفترة أطول يعرفون المكان جيداً ويشعرون إلى حد كبير كأنهم في بيتهم".
ونجح المنتخب الألماني في عبور دور المجموعات لكأس الأمم الأوروبية دون هزيمة. ولكن نظرة إلى الوراء تظهر أن المنتخب عانى في الكثير من الأحيان، بالتحديد مع خصومه في دور الـ16 في البطولات الكبرى. وعندما يلعب فريق المدرب الوطني يوليان ناغيلسمان في دور الـ16 من كأس الأمم الأوروبية في ألمانيا يوم السبت (29 يونيو) في دورتموند، ستكون قد مضت ثلاثة أعوام بالضبط على الوداع المرير للمدرب السابق يواخيم لوف.
وقد قال مدرب المنتخب لوف في 28 يونيو 2021 وهو محبط “أتحمل مسؤولية هذا الإقصاء”. آنذاك كان منتخب ألمانيا قد خسر للتو في دور الـ16 من بطولة أمم أوروبا أمام إنجلترا بهدفين مقابل لا شيء على ملعب ويمبلي، وتم إقصاؤه من المنافسة.
لقد كانت مباراة لوف الأخيرة. وكان المدرب، الذي قاد المنتخب إلى حمل كأس العالم 2014، قد أعلن بالفعل استقالته قبل البطولة، مشيرا إلى أن آخر مباراة في اليورو ستكون أيضا مباراته الأخيرة مع المنتخب الألماني. وكان العزاء الوحيد للوف وللمنتخب الألماني هو أن الإنجليز لعبوا بشكل جيد في تلك البطولة الأوروبية، ولم يسلموا اللقب للإيطاليين إلا بعد اللجوء إلى ركلات الترجيح في المباراة النهائية.
وتعود آخر مرة تجاوز فيها المنتخب الألماني دور الـ16 في بطولة كبرى إلى ثماني سنوات خلت، ففي بطولة أوروبا 2016 بفرنسا فازت ألمانيا على سلوفاكيا 3 – 0.