في قلب حي الفتح الشعبي بالعاصمة الرباط، وتحت ظل ملعب مولاي عبد الله الكبير، ينبض مركز تكوين الفتح بالحياة. عشرات الشباب، بتجهيزات حديثة وتحت إشراف طواقم تقنية متخصصة، يخوضون تدريبات يومية، وسط أجواء تسودها الجدية والانضباط. هؤلاء ليسوا مجرد لاعبين في طور التكوين، بل مشروع رجال الغد.
قيادة واثقة ورؤية استراتيجية
يُشرف سعد بنووحود، الرئيس المنتدب لفرع كرة القدم بنادي الفتح الرياضي الرباطي، على هذا المشروع الطموح برؤية بعيدة المدى. في تصريحاته، يُبرز بوضوح أن نجاح الفريق الأول لا ينفصل عن نجاح منظومة التكوين. ويؤكد: « هدفنا ليس فقط الصعود في الترتيب، بل صناعة نواة من اللاعبين المحليين تمثل 50٪ من التشكيلة الأساسية خلال موسمين على الأكثر ».
خلال الموسم المنصرم، نجح الفتح في احتلال المركز الرابع في البطولة الوطنية، مع الاعتماد على سبعة لاعبين من خريجي مركز التكوين، ما يُعتبر مؤشراً على نجاعة المشروع التقني والرياضي للنادي.
التكوين الشامل: كرة قدم بعقلية إنسانية
الرهان في الفتح لا ينحصر على الجانب التقني، بل يتعداه إلى الجانب التربوي والإنساني. يوضح بنوحود: « اللاعب بالنسبة إلينا ليس مجرد موهبة على أرضية الملعب، بل إنسان يجب أن يمتلك قيمًا، ووعيًا، وقدرة على التواصل، لأنه في كرة القدم الحديثة، المهارات لا تكفي ».
من هذا المنطلق، تم إدخال إصلاحات على منظومة التكوين، تشمل انتقاءً دقيقًا للمواهب عبر لجنة تقنية جديدة، وإدماج كفاءات بشرية ذات خبرة في مجالات علم النفس والتربية والتغذية والتهيئة الذهنية.
استقدام كفاءات دولية ومشروع طويل الأمد
كجزء من هذا التطوير، عزز النادي طاقمه التقني بضم الفرنسي مانويل بيريس، الذي سبق له العمل مع عدة أندية أوروبية مثل نيس، لافال، أميان، وموناكو، وراكم تجربة واسعة في تكوين المواهب، خصوصاً بين 2007 و2024. خطوة تعكس طموح الفتح للارتقاء بجودة التكوين إلى المعايير الأوروبية.
العودة للجمهور.. ومواصلة البناء
ورغم التحديات المرتبطة بغياب الجماهير نتيجة تجديد ملعب مولاي الحسن تحضيرًا لكأس أمم إفريقيا، فإن إدارة الفتح تضع في أولوياتها استرجاع العلاقة مع الجمهور. بنوحود عبّر عن أمله في العودة للعب في الرباط مع بداية 2026، مؤكداً أن دعم الجمهور سيكون عاملًا حاسمًا في الدفع بالفريق نحو المنافسة على الألقاب.
نحو منصة التتويج مجددًا؟
آخر تتويج للفتح كان موسم 2015-2016، ومنذ ذلك الحين يعيش النادي على وقع البناء. واليوم، ومع بروز أسماء جديدة واحتراف لاعبين إلى الخارج كـ يحيى بن خالق في الإمارات ورضا العلاوي في ويسترلو البلجيكي، يبدو أن دورة جديدة قد بدأت.
يطمح الفتح في الموسم الحالي لاعتلاء منصة التتويج مجددًا، وربما العودة للمشاركة القارية، مع الحفاظ على فلسفة النادي في منح الفرصة للشباب.
كلمة الشباب: شهادة من قلب المركز
أمين آيت أحمد، أحد شباب المركز، عبّر عن فخره بالانتماء لهذه المنظومة، قائلاً: « نشعر أننا في بيتنا. الطاقم يؤمن بنا، ويواكبنا في كل التفاصيل. نعمل بجدٍّ لنثبت أننا على قدر الثقة ».
الفتح الرباطي لا يسعى فقط للعب 90 دقيقة أسبوعياً، بل يبني مؤسسة رياضية متكاملة، قوامها التكوين، والتربية، والهوية.
في زمن النتائج السريعة، اختار الفتح طريقًا طويلًا، لكنه ثابت، يُراكم فيه الكفاءات ويُراهن على الإنسان قبل اللاعب. وقد تكون هذه الوصفة، في نهاية المطاف، سر التميّز الحقيقي.