ولم يأتِ هذا التتويج من فراغ، بل كان تتويجًا لمسار استثنائي للاعب شاب، أبهر الجميع بأدائه المتكامل، ومهاراته الفنية الرفيعة، وروحه القتالية العالية، ما جعل الصحافة العالمية، وعلى رأسها صحيفة « ماركا » الإسبانية، تقارنه بالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في بداياته مع مانشستر يونايتد، من حيث البنية البدنية، السرعة، والموهبة التي لا تعرف الخوف.

ولد عثمان معما في السادس من أكتوبر 2005 بمدينة أليس الفرنسية، وسط عائلة رياضية مغربية تنحدر من مدينة الخميسات، حيث لعب والده، عمر معما، في صفوف الاتحاد الزموري للخميسات خلال ثمانينيات القرن الماضي، في حين كانت عمته، فاطمة معما، من بطلات المغرب في العدو الريفي خلال الفترة نفسها.
منذ نعومة أظافره، بدا واضحًا أن عثمان يحمل جينات الموهبة، فعشقه لكرة القدم دفعه مبكرًا إلى الالتحاق بمدارس التكوين، قبل أن يشق طريقه بثبات نحو الاحتراف. فبعد أن تألق في صفوف نادي كلوب أرك الفرنسي، خطف الأنظار في سن الثانية عشرة لينضم إلى أكاديمية مونبوليي، حيث واصل تطوره السريع، قبل أن يقرر خوض تحدٍ جديد في إنجلترا، رفقة نادي واتفورد، الذي أصبح من أبرز عناصره في فئة أقل من 21 سنة.
من نجم في إفريقيا إلى تألق عالمي
وعرف الجمهور المغربي عثمان معما أكثر خلال كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة، التي احتضنتها مصر مطلع السنة الجارية، حيث تألق بشكل لافت، وساهم بشكل كبير في بلوغ المنتخب المغربي المباراة النهائية.
لكن نجم معما بلغ ذروته خلال كأس العالم بالشيلي، إذ لعب دور القائد الفني لـ« أشبال الأطلس« ، وكان محركًا رئيسيًا في خط الوسط، وصانع ألعاب بارزًا، إلى جانب مساهمته الهجومية المباشرة، حيث سجل هدفًا وقدم ثلاث تمريرات حاسمة، ونال جائزة « رجل المباراة » في مناسبتين: أمام كوريا الجنوبية في ربع النهائي، وأمام فرنسا في نصف النهائي.
ومع كل مباراة، كان عثمان يُثبت أنه لاعب من طينة الكبار، فإلى جانب لمسته الإبداعية، أبان عن حس عالٍ بالانضباط التكتيكي، والتزام واضح بالأدوار الدفاعية. وقد تجلى ذلك في مباراة الولايات المتحدة، حين طلب من مدربه محمد وهبي عدم استبداله، وأبدى استعداده للقيام بدور دفاعي إضافي كظهير أيمن، لمحاصرة أحد مفاتيح لعب الخصم، وهو ما فعله بنجاح كبير، نال على إثره إشادة جماهيرية وإعلامية واسعة.
فارس التبوريدة... وموهبة المستقبل
بعيدًا عن المستطيل الأخضر، يحمل عثمان معما حبًا خاصًا للفروسية التقليدية المغربية، ويُعد من أبرز فرسان « التبوريدة » بمنطقة الخميسات، حيث يشارك رفقة « السربة » التي يقودها والده في المهرجانات والمواسم. وهذا العشق للفرس، كما يقول والده، هو ما منحه الثقة والتحكم في التوازن، وساعده على تطوير حسه الرياضي منذ سن مبكرة.
ومع اختياره كأفضل لاعب في مونديال الشيلي، يُعد عثمان اليوم أحد أكبر المواهب المغربية الصاعدة، ويبدو أن مسيرته تتجه نحو النجومية العالمية، خصوصًا مع اهتمام أندية أوروبية كبيرة بخدماته، بعد الأداء المذهل الذي قدمه في البطولة.
التحدي القادم... واللقب المنتظر
ونجح معما ورفاقه في الاطاحة بالمنتخب الأرجنتيني في نهائي كأس العالم، وهي المباراة التي منحت نجم « الأشبال » فرصة دخول التاريخ من أوسع أبوابه، ليس فقط كأفضل لاعب في البطولة، بل أيضًا كصاحب إنجاز غير مسبوق لكرة القدم المغربية.
