ففي مدرجات الملاعب التي تحتضن مباريات المنتخب المغربي ضمن كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025)، يبرز حضور المرأة المغربية بوصفه سمة لافتة، ليس فقط من حيث الكم، بل كتحول نوعي يعكس تغيرا في تمثلات التشجيع والفضاء العمومي الرياضي.
ولم يأت إقبال المرأة المغربية على متابعة مباريات المنتخبات الوطنية صدفة، بل هو ثمرة مسار تراكمي مرتبط بالتمكين المجتمعي ومقاربة النوع، حيث صار لها دور بارز في قلب المشهد الرياضي، سواء كلاعبة أو مسيرة أو مشجعة فاعلة.
فالمشهد في مدرجات الملاعب المغربية لم يعد يختزل في صورة المشجع التقليدي، إذ أصبحت المرأة عنصرا فعالا في صناعة الأجواء الجماهيرية، ترفع الأعلام، وتقود الهتافات، وتساهم في تشكيل الإيقاع العام للمباريات.
ويعكس هذا التحول حضور المرأة الذي يتجاوز مجرد الفرجة إلى المشاركة الفاعلة في الفضاء العمومي، بما يحمل من دلالات على إعادة توزيع الأدوار داخل المشهد الجماهيري، وتفكيك الصور النمطية التي طالما ربطت التشجيع الكروي بالرجال فقط.
في هذا الإطار، تمثل مباريات المنتخب المغربي خلال كأس إفريقيا للأمم لحظة جماعية لتجسيد الانتماء الوطني، حيث تحضر المرأة كجزء من الهوية الجماهيرية، مشاركة في التعبير عن الحماس والانتماء، وفي الاحتفال الجماعي.
في هذا السياق، قال الباحث في السياسات الرياضية وثقافة التشجيع، حمزة الكندي، إن حضور المرأة في مدرجات مباريات كرة القدم المغربية خلال كأس إفريقيا للأمم يعكس امتدادا لتحولات أعمق في بنية الفضاء العمومي الرياضي.
وأضاف، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مقاربة النوع تتيح فهم هذا التحول بوصفه إعادة تعريف للمدرجات كمجال مشترك للتعبير الجماعي، وليس فضاء مهيمنا عليه ذكوريا كما كان الحال لعقود.
وأشار إلى أن التفاعل الإيجابي مع حضور السيدات في مباريات المنتخبات المغربية يعكس احتفاء متزايدا بالمكانة الاجتماعية للمرأة المشجعة، خصوصا عندما يتجلى ذلك في مظاهر الانتماء الوطني، من رفع الأعلام إلى ترديد الشعارات الجماعية.
وأوضح الكندي أن استدامة حضور المرأة في الملاعب المغربية ترتبط بعاملين أساسيين، الأول يرتبط بالتحول البنيوي في الثقافة الرياضية، والثاني يتعلق بتوفير شروط الولوج الآمن والمنظم للنساء إلى الملاعب، بما يعزز استقلالية حضورهن بعيدا عن الطابع المناسباتي.
واعتبر المتحدث نفسه، أن كأس إفريقيا للأمم بالمغرب تمثل فرصة لترسيخ نموذج جماهيري أكثر شمولا، يدمج النساء داخل المجموعات المشجعة، ويعيد الاعتبار للمدرجات كفضاء مدني يعكس تنوع المجتمع المغربي.
وتابع : « لم يعد تشجيع السيدات في مباريات كرة القدم المغربية مجرد مشهد عابر، بل بات تجليا لتحول اجتماعي وثقافي يعيد رسم العلاقة بين النساء والفضاء العمومي من بوابة الملاعب، إنه فعل مواطنة جماعي، تكتب من خلاله النساء صفحة جديدة في تاريخ التشجيع الرياضي بالمغرب، حيث تغدو المدرجات مرآة لتحولات أوسع في المشاركة الوازنة ، والحضور اللافت ، والاعتراف بدور المرأة كفاعل أساسي في المشهد الجماهيري الوطني« .
