فخلف الأجواء الاحتفالية التي تصاحب هذا الحدث القاري، تبرز قدرة المملكة على تحويل ذروة طلب مؤقت إلى مكاسب طويلة الأمد، وعلى تحويل البنيات التحتية إلى أصول منتجة، واستثمار الحضور الإعلامي الدولي كرافعة لجذب مزيد من الاستثمارات. ويضع هذا الموعد الإفريقي المغرب أمام رهان واضح يتمثل في الانتقال من حدث رياضي إلى استراتيجية حقيقية.ويؤكد تنامي الأنشطة التي تشهدها المملكة خلال الأشهر الأخيرة حجم الأثر الظرفي للبطولة، إذ أسهمت المشاريع الكبرى لتأهيل الملاعب، وتوسيع الطاقة الاستيعابية للمطارات، وتجديد المنشآت الفندقية، وتحسين البنيات التحتية الحضرية في المدن المحتضنة، في إحداث دينامية ملموسة داخل قطاعات البناء والخدمات التقنية واللوجستيك والهندسة.وأوضح الخبير الاقتصادي، محمد جدري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن كأس أمم إفريقيا تعمل أولا عبر قنوات مباشرة، تشمل نفقات الزوار (الإيواء، المطاعم، النقل، التذاكر)، والعائدات المرتبطة بحقوق البث التلفزيوني والرعاية، إضافة إلى الطلبيات العمومية والخاصة المرتبطة بتحضير المواقع، مبرزا أن هذه التدفقات تخلق أثرا قابلا للقياس، على المدى القصير، على الاستهلاك والقيمة المضافة للقطاعات المعنية.وأضاف أن القنوات غير المباشرة والاستباقية (الاستثمارات في الطاقة الاستيعابية الفندقية، تحسين البنيات التحتية للمطارات والسكك الحديدية، وعصرنة الخدمات الحضرية) تأتي بعد ذلك، معتبرا أن هذه الاستثمارات قادرة على تعزيز جاذبية المغرب سياحيا واقتصاديا لما بعد الحدث، شريطة تدبيرها واستغلالها بشكل مدروس.وسلط السيد جدري الضوء على قناة ثالثة ترتبط بصورة البلاد وإشعاعها، موضحا أن النجاح التنظيمي يعزز « العلامة المغربية » ويسهل استقطاب أحداث ومؤتمرات واستثمارات أجنبية. واعتبر أن أثر هذه القناة لا يتحقق بشكل فوري، وهو أصعب قياسا، لكنه يبقى قويا إذا أحسن استثماره.ولاحظ الخبير الاقتصادي أنه على المدى القصير، تول د البطولة طفرة في فرص الشغل المؤقتة في قطاعات البناء، والأمن، والاستقبال، والمطعمة، والنقل، والخدمات المرتبطة بالتظاهرات (فرص شغل موسمية، عقود قصيرة الأجل، مهام بالنيابة).وسجل أن تحويل هذه الفرص إلى مناصب شغل مستدامة، يبقى رهينا بشكل كبير بجودة الاستثمار، موضحا أنه إذا تم إدماج البنيات التحتية (مؤسسات الإيواء، مراكز المؤتمرات، التجهيزات الرياضية) في استراتيجية استغلال لاحقة (السياحة الرياضية، التكوين والتظاهرات المنتظمة)، فإن جزءا من مناصب الشغل هذه يمكن أن يتحول إلى وظائف قارة، لاسيما في قطاعات الفندقة ذات الجودة، وصيانة التجهيزات، وإدارة التظاهرات وفروع الخدمات الموجهة للسياح.وأشار السيد جدري إلى أن سياسات التكوين المستهدف ترفع من قابلية التشغيل على الصعيد المحلي وتحويل فرص الشغل المؤقتة إلى مناصب قارة، داعيا إلى توخي الحيطة والحذر، على اعتبار أن تقييمات الأحداث الكبرى التي ترتكز على التجربة غالبا ما تظهر أن هناك مكاسب ملموسة من حيث فرص الشغل المؤقتة، أكثر من المكاسب الهيكلية المستدامة، ما لم تصاحبها إجراءات تكميلية من القطاعين العام والخاص.وفي معرض حديثه عن الرافعات والسياسات العمومية التي يتعين تفعيلها لتحقيق أقصى حد من عائدات كأس إفريقيا للأمم، شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة تخطيط مندمج « قبل/أثناء/بعد » الحدث عبر تحديد استخدامات ما بعد البطولة للبنيات التحتية (تجهيزات متعددة القطاعات، مراكز التكوين).كما رأى أن تعزيز الرأسمال البشري أمر حاسم، من خلال إطلاق برامج مكثفة للتكوين المهني في مجالات الفندقة، وتنظيم التظاهرات، واللغات، والاستقبال، وتدبير المنشآت الرياضية، إلى جانب برامج لإعادة تأهيل العمال المؤقتين لجعل مناصب الشغل المستحدثة أكثر استدامة.وفضلا عن ذلك، أوصى السيد جدري باستثمار كأس أمم إفريقيا كرافعة من أجل تصحيح التفاوتات المجالية (تحسين الربط الجوي والنقل الحضري والإيواء في المدن الثانوية)، وكذا قصد إعطاء دفعة لسلاسل القيمة المحلية (المطعمة المحلية، صناع تقليديون، خدمات).كما أوصى بتنسيق التواصل على الصعيد الدولي (حزم سياحية لكأس أمم إفريقي والوجهات الثقافية) وتسهيل الربط الجوي واللوجستيك، والنهوض بعروض تكميلية (مؤتمرات، ندوات، فعاليات ثقافية) لتمديد متوسط أيام الإقامة، إضافة إلى إرساء نظام لتقييم الآثار بمؤشرات قبلية وبعدية، وضمان شفافية النفقات العمومية حفاظا على القبول الاجتماعي ومصداقية الأعمال المنجزة.وأكد السيد جدري أن كأس أمم إفريقيا 2025 يمكن أن تشكل جسرا موثوقا نحو كأس العالم 2030 وترسيخ مكانة المغرب كقطب رياضي وسياحي، شريطة تحويل الاستثمار إلى إرث دائم.وقال إن « اختيار الملاعب، وتحسين الطاقة الاستيعابية للمطارات والفنادق هي عناصر ملموسة تقر ب من هذا الهدف، لكن ينبغي أن تواكبها حكامة فعالة في الاستغلال واستراتيجية للتسويق مستمرة ».ويرى الخبير الاقتصادي أن نجاح تنظيم كأس أمم إفريقيا سيعزز من مصداقية المغرب على الساحة الدولية (اللوجستيك، الأمن، تجربة الجمهور)، مما يسهل الترشيحات المستقبلية والتفاوض بشأن استضافة تظاهرات مستقبلية.وكشف أن الأثر التحفيزي لا يتحقق بالكامل إلا إذا ولدت الاستثمارات استخدامات منتظمة (رياضة الهواة/الاحترافية، السياحة الرياضية، تظاهرات دولية)، وإذا تم تجنب منطق النفقات الظرفية دون مخطط للاستغلال.ومن الواضح أن كأس الأمم 2025 لن تشكل منعطفا اقتصاديا إلا إذا و جه الاستثمار نحو المدى البعيد، إذ يتيح الحدث فرصة تاريخية لترسيخ دورة نمو جديدة قائمة على الجاذبية والتشغيل والتنافسية الترابية.فالازدهار لن يتحقق فقط على أرضية الملعب، بل في قدرة المغرب على استدامة زخم العام 2025 إلى ما بعد صافرة النهاية.
تحرير من طرف le360
في 12/12/2025 على الساعة 06:00
